الثقافة ورؤية 2030- آفاق التنمية ودور المثقف الوطني

المؤلف: علي بن محمد الرباعي08.14.2025
الثقافة ورؤية 2030- آفاق التنمية ودور المثقف الوطني

يتساءل المفكرون والباحثون بفضول: "هل المشهد الثقافي الراهن يتمتع بالصحة والعافية؟" وما هو مدى قدرة ثقافتنا على الإسهام الفعال ومواكبة "رؤية 2030" الطموحة؟ وما مصير تنمية الثقافة باعتبارها الركيزة الأساسية والمنطلق الجوهري لأي تحولات جذرية؟ إنها تساؤلات في غاية الأهمية، ولم تغب قط عن أروقة مقر انعقاد مؤتمر مؤسسة الفكر في أبوظبي خلال الأيام القليلة الماضية. ومما لا شك فيه أن التنمية الثقافية تختلف جوهريًا عن التنمية الاقتصادية، التي ترتبط ارتباطًا وثيقًا بزمان ومكان وأدوات محددة؛ فالتنمية الثقافية تمثل مشروعًا وطنيًا متكاملًا وشاملًا، يضم في طياته الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتاريخية والحضارية والإنسانية. لم تعد التنمية الثقافية تعني مجرد الحفاظ على الوضع الراهن وتكريسه، بل أصبحت تعني التوجه الحثيث نحو تحول تاريخي عميق، يتجاوز الواقع الحالي ويحقق المزيد من المنافع الجمة ويلبي الاحتياجات المتزايدة للمجتمع. فالتنمية ليست قانونًا جامدًا لا يقبل التغيير، وليست وحيًا منزلاً من السماء، بل هي وسيلة أو آلية من آليات عمل الحكومة الرشيدة. وتنمية الثقافة تعتبر من أوجب الواجبات الوطنية لتعزيز ثقافة التنمية، فبفضل الثقافة تستطيع كل قوى المجتمع أن تتحرك بنشاط وتنهض بكل قوة. ومن الطبيعي جدًا أن ينتج عن تنمية الثقافة صراع حتمي بين دعاة التكريس والجمود، وبين عشاق التغيير والتجدد المستمر. ولن نغالي أبدًا عندما نقول إن الدول العظمى اليوم قد انطلقت بقوة نحو تحقيق أهدافها السامية، من خلال إيلاء الثقافة جل الاهتمام والرعاية، ورفعت من شأن المثقفين والمفكرين، ولم تهمل أبدًا النظريات المعرفية القيمة والتوصيات النخبوية الهادفة، وذلك لإيمان تلك الدول الراسخ بأن المثقف العضوي المنتمي يرى ما يراه السلطوي بعين البصيرة والنفاذ. وإذا كانت صورة المثقف في الماضي قد شابها بعض التشوهات، بحكم أن المثقف العربي عمومًا قد تبنى اليسار منهجًا ثوريًا، كما أن المثقف اليميني، مع تعزيز حضوره واحترام الدولة لتطلعاته، قد غدا أيضًا طامعًا في المناصب مستغلاً أدبيات التراث العريق، فبما أن تلك الحقبة بكل ما فيها قد ولت وانقضت، وأبطالها قد سلفوا إلى ذمة التاريخ، فإننا اليوم أحوج ما نكون إلى تعزيز حضور المثقف الوطني النزيه، من أجل حماية مجتمعنا من المخاطر المحدقة التي قد تنجم عن غياب الرموز والقامات الفكرية. فمعركتنا اليوم هي مع وسائل تقنية حديثة ذات طبيعة غير إنسانية، تفرض علينا الكثير من التحديات الجسام، والداعية الوطني والمثقف الوطني هما جناحان أساسيان لهذه المرحلة الحساسة، وليس معنى التحرك معًا أن نتفق على كل شيء، بل من الطبيعي أن نختلف ونتحاور تحت مظلة الإجماع الراسخ على ثوابتنا الوطنية وقيمنا الأصيلة (توحيدًا، ووحدة وطنية، وقيادتنا السعودية الرشيدة). أما الاستمرار في تشكيك النخب الثقافية ببعضها البعض وتخوينها على الدوام، فذاك يعتبر تدميرًا ممنهجًا للتنمية الثقافية المنشودة، التي يشترك فيها إمام الجامع، والكاتب المرموق، والشاعر المرهف، والقاص البارع، والروائي المبدع، والناقد الفذ، والأكاديمي المتميز. شكرًا جزيلاً لمؤسسة الفكر العريقة.. وشكرًا من القلب للأمير خالد الفيصل.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة